بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا وهادينا محمد وآله الطيبين الطاهرين
ما جاء عن الرضا ( ع ) في هاروت و ماروت :
حدثنا محمد بن القاسم المفسر المعروف
بأبي الحسن الجرجاني رضي الله عنه قال حدثني
يوسف بن محمد بن زياد و علي بن محمد بن سيار عن أبويهما عن
الحسن بن علي عن أبيه علي بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن
أبيه الرضا علي بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه الصادق
جعفر بن محمد في قول الله عز و جل.
وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَ ما كَفَرَ سُلَيْمانُ. قال
اتبعوا ما تتلو كفرة الشياطين من السحر و النيرنجات على ملك سليمان
الذين يزعمون أن سليمان به ملك و نحن أيضا به فظهر العجائب حتى
ينقاد لنا الناس و قالوا كان
سليمان كافرا ساحرا ماهرا بسحره ملك ما ملك و قدر ما قدر فرد
الله عز و جل عليهم فقال وَ ما كَفَرَ سُلَيْمانُ و لااستعمل السحر الذي
نسبوه إلى سليمان و إلى ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَ مارُوتَ
و كان بعد نوح ( ع ) قد كثر السحرة و المموهون فبعث الله عز
و جل ملكين إلى نبي ذلك الزمان بذكر ما تسحر به السحرة و ذكر ما
يبطل به سحرهم و يرد به كيدهم فتلقاه النبي ( ع ) عن الملكين
و أداه إلى عباد الله بأمر الله عز و جل فأمرهم أن يقفوا به على السحر
و أن يبطلوه و نهاهم أن يسحروا به الناس و هذا كمايدل على السم ما
هو و على ما يدفع به غائلة السم ثم قال عز و جل وَ ما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ
حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ يعني أن ذلك النبي ( ع ) أمر
الملكين أن يظهرا للناس بصورة بشرين و يعلماهم ما علمهما الله من ذلك
فقال الله عز و جل وَ ما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ ذلك السحر و إبطاله حَتَّى يَقُولا
للمتعلم إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ و امتحان للعباد ليطيعوا الله عز و جل فيما يتعلمون
من هذا و يبطلوا به كيد السحرة و لا يسحروهم فَلا تَكْفُرْ باستعمال هذا
السحر و طلب الإضرار به و دعاء الناس إلى أن يعتقدوا أنك به تحيي
و تميت وتفعل ما لا يقدر عليه إلا الله عز و جل فإن ذلك كفر قال الله
عز و جل فَيَتَعَلَّمُونَ يعني طالبي السحر مِنْهُما يعني مما كتبت الشياطين
على ملك سليمان من النيرنجات و مما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ
وَ مارُوتَ يتعلمون من هذين الصنفين ما يفرقون به بين المرء و زوجه
هذا ما يتعلم الإضرار بالناس يتعلمون التضريب بضروب الحيل والتمائم
و الإبهام و أنه قد دفن في موضع كذا و عمل كذا ليحبب المرأة إلى الرجل
والرجل إلى المرأة و يؤدي إلى الفراق بينهما فقال عز و جل وَ ما هُمْ
بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي ما المتعلمون بذلك بضارين من أحد
إلابإذن الله يعني بتخلية الله و علمه فإنه لو شاء لمنعهم بالجبر و القهر
ثم قال وَ يَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَ لا يَنْفَعُهُمْ لأنهم إذا تعلموا ذلك السحر
ليسحروا به و يضروا فقد تعلموا ما يضرهم في دينهم و لا ينفعهم فيه
بل ينسلخون عن دين الله بذلك وَ لَقَدْ عَلِمُوا هؤلاء المتعلمون لَمَنِ اشْتَراهُ
بدينه الذي ينسلخ عنه بتعلمه ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ أي من نصيب
في ثواب الجنة ثم قال عز و جل وَ لَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ و رهنوها
بالعذاب لَوْكانُوا يَعْلَمُونَ أنهم قد باعوا الآخرة و تركوا نصيبهم من الجنة
لأن المتعلمين لهذا السحر الذين يعتقدون أن لا رسول و لا إله و لا بعث
و لا نشور فقال وَ لَقَدْعَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ لأنهم
يعتقدون أن لا آخرة فهم يعتقدون أنها إذالم تكن آخرة فلا خلاق لهم في
دار بعد الدنيا و إن كانت بعد الدنيا آخرة فهم مع كفرهم بها لا خلاق لهم
فيها ثم قال وَ لَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ بالعذاب إذ باعوا الآخرة بالدنيا
و رهنوا بالعذاب الدائم أنفسهم لَوْ كانُوايَعْلَمُونَ أنهم قد باعوا أنفسهم
بالعذاب و لكن لا يعلمون ذلك لكفرهم به فلماتركوا النظر في حجج الله
حتى يعلموا عذابهم على اعتقادهم الباطل و جحدهم الحق
قال يوسف بن محمد بن زياد و علي بن محمد بن سيار عن أبويهما
أنهما قالا فقلنا للحسن بن علي ( ع )
فإن قوما عندنا يزعمون أن هاروت و ماروت ملكان اختارهما الله من
الملائكة لماكثر عصيان بني آدم و أنزلهما مع ثالث لهما إلى دار الدنيا
و أنهما افتتنا بالزهرةو أرادا الزناء بها و شربا الخمر و قتلا النفس
المحرمة و أن الله عز و جل يعذبهماببابل و أن السحرة منهما يتعلمون
السحر و أن الله تعالى مسخ تلك المرأة هذا الكوكب الذي هو الزهرة
فقال الإمام ( ع )
معاذ الله من ذلك. إن ملائكة الله معصومون محفوظون من الكفر و
القبائح بألطاف الله تعالى قال الله عز و جل فيهم
لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ
و قال الله عز و جل وَ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ مَنْ عِنْدَهُ يعني
الملائكة لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ لا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ
لا يَفْتُرُونَ
و قال عز و جل في الملائكة أيضا
بَل ْعِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ
وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ
ثم قال ( ع )
لو كان كما يقولون كان الله عز و جل قد جعل هؤلاء الملائكة خلفاءه في
الأرض و كانوا كالأنبياء في الدنيا أوكالائمة فيكون من الأنبياء
و الأئمة ( ع ) قتل النفس و الزناء
ثم قال ( ع )
أ و لست تعلم أن الله عز و جل لم يخل الدنيا من نبي قط أو إمام من البشر
أ و ليس الله عز جل يقول وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ من رسول يعني إلى
الخلق إِلَّا رِجالًانُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فأخبر أنه لم يبعث الملائكة إلى
الأرض ليكونوا أئمة و حكاما و إنما كانوا أرسلوا إلى أنبياء الله
قالا فقلنا
له فعلى هذاأيضا الم يكن إبليس أيضا ملكا فقال لا بل كان من الجن أ ما
تسمعان الله عز و جل يقول
وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فأخبر
عز و جل أنه كان من الجن و هو الذي قال الله عز و جل
وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ
قال الإمام الحسن بن علي ( ع )(اي العسكري عليع السلام )
حدثني أبي عن جدي عن الرضا عن آبائه عن علي ( ع )
قال قال رسول الله ص
إن الله عز و جل اختارنا معاشر آل محمد
و اختار النبيين و اختار الملائكة المقربين و ما اختارهم إلا
على علم منه بهم أنهم لا يواقعون ما يخرجون عن ولايته و ينقطعون به عن
عصمته و ينتمون به إلى المستحقين لعذابه و نقمته
قالا فقلنا له قد روي لنا أن عليا ( ع ) لما نص عليه رسول الله (ص )
بالإمامةعرض الله عز و جل ولايته في السماء على فئات من الناس و فئات
من الملائكة فأبوهافمسخهم الله ضفادع فقال ( ع )معاذ الله هؤلاء المكذبون
لنا المفترون علينا.
الملائكةهم رسل الله فهم كسائر أنبياء الله و رسله إلى الخلق أ فيكون منهم
الكفر بالله قلنا لا قال فكذلك الملائكة إن شأن الملائكة لعظيم و إن خطبهم لجليل .
حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضي الله عنه قال حدثني أبي عن
أحمد بن علي الأنصاري عن علي بن محمد بن الجهم قال سمعت المأمون يسأل
الرضا علي بن موسى ( ع )
عما يرويه الناس من أمر الزهرة و أنها كانت امرأة فتن بها هاروت وماروت
و ما يروونه من أمر سهيل أنه كان عشاراباليمن
فقال الرضا ( ع ) كذبوا في قولهم إنهما كوكبان و إنما كانتا دابتين
من دواب البحر فغلط الناس و ظنوا أنهما الكوكبان و ما كان الله عز و جل
ليمسخ أعداءه أنوارا مضيئة ثم يبقيها ما بقيت السماوات والأرض
و إن المسوخ
لم يبق أكثر من ثلاثة أيام حتى ماتت و ما تناسل منها شيء و ماعلى وجه
الأرض اليوم مسخ و إن التي وقع عليه اسم المسوخية مثل القرد و الخنزير
والدب و أشباهها إنما هي مثل ما مسخ الله على صورها قوما غضب الله عليهم
و لعنهم بإنكارهم توحيد الله وتكذيبهم رسله و أما هاروت و ماروت فكانا ملكين
علما الناس السحر ليحترزوا عن سحرالسحرة و يبطلوا به كيدهم و ما علما
أحدا من ذلك شيئا إلا قالا له إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فكفر قوم باستعمالهم لما
أمروا بالاحتراز منه و جعلوايفرقون بما تعلموه بين المرء و زوجه
قال الله عز و جل وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ يعني بعلمه .
من كتاب عيون اخبار الرضى (عليه السلام )
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين